الأحد، 22 أغسطس 2004

فهرنهايت 9/24 اللبناني

وقفت امام اللوحات الاعلانية افكر اي من الافلام السينمائية سوف اشاهد فوجدت ان مجمل الافلام قد شاهدتها فقلت لنفسي لم يبقى لك الا هذا الفيلم رغم كرهي له من كثرة ما ذكر في تعليقات الصحفيين,وهكذا كان موعدي مع فهرنهايت 9/11.

وكعادتي عند حضوري لأي فيلم يكون تركيزي شديدا على كل التفاصيل, لا استطيع القول بأن الفيلم كان فيلما بالمعنى المتعارف عليه فهو اشبه بالافلام التي يمكنك القول عنها بالوثائقية الممزوجة بتعليقات ساخرة للمخرج.

لن اطيل الشرح عليك فالفيلم منذ اللحظة الاولى يقوم على وصف الرئيس الاميركي بوش وتشيني ورامسفيلد وكوندوليزا ريس وولفوويتز واقرب المساعدين للرئيس بوش بزمرة من متعهدي النفط الذين دخلوا البيت الابيض لمصالح نفطية خاصة كما ان الفيلم يغور في ماضي بوش كمتعهد لأخراج النفط من اميركا و بتمويل من ال بن لادن السعودية والامراء ورجال الاعمال السعوديين.كان الهجوم على السعوديين شرسا وبتهمة واضحة ان السعوديين هم المسؤولون عن تمويل ارهاب ابن لادن والخاطفين للطائرات كما يحلل بجرأة العلاقة المريبة للرئيس الحالي بوش وابيه بالسعوديين .

احتوى الفيلم بالنسبة الي على دقائق ساحرة ومتقنة الاخراج عندما بدا بالحديث عن هجمات 9/11 في اميركا, فالمخرج الذي هو نفس المنتج وكاتب السيناريو, مايكل مور, بث شاشة سوداء بالكامل وبعض لحظات كان صوت الطائرة الاولى عنيفا وهي قادمة لتضرب البرج الاولى وصوت الشهود العيان الاميركيين يصرخون,ظلت الشاشة سوداء لتسمع بعض 15 ثانية طائرة اخرى آتية بصوت عنيف جدا لتضرب البرج الثاني واصوات البشر تتزايد تصاعدا, الشاشة لا تزال سوداء بالكامل ويمكنك سماع صوت تحطم الابراج وبعد دقيقة او دقيقتين اختفت الشاشة السوداء لترى وجوه وعيون اميركية خائفة ومنذهلة تراقب الابراج المحترقة والمحطمة وهذا كله دون ان يدعك المخرج تشاهد البرجين,اوراق وغبار تتساقطا والهواء يتلاعب بهما, شوارع خالية الا من السيارات المحطمة والغبار الكثيف يملىء الشوارع.كان مشهدا ذو اخراج رائع حيث شعرت بأن المخرج قد اوصل فكرته عن هذه الصدمة البشعة للاميركيين دون ان تشاهد البرجين يتحطمان او الناس يقفزون منهما كما عودتنا التلفزيونات.

لأنهي حديثي عن فكرة اخيرة اراد المخرج للمشاهد ان يخرج بها وهي ان حرب افغانستان والعراق ليست الا رد عبثي ولا تقدم لشعب اميركا الامن الموعود به, فاميركا خاضت هذين الحربين ضد الارهاب بسبب مصالح نفطية وسيطرة امبريالية على العالم .

لن اجادل المخرج في بعض حقائق السياسة البراغمتية لاميركا كما انني لن اعترض على المأساة التي تسببها الحرب للجنود الاميركيين وعائلاتهم كما انني لن اتكلم عن النفوذ المالي السعودي في اميركا و كما انني لن اجادل المخرج في عبثية حرب تحت عنوان نشر الديمقراطية وتحرير الشعوب وهو المحمي مع عائلته بأقوى جيش في العالم و بأعظم اجهزة المخابرات الاميركية عندما ينام في بيته, ولكنني شعرت بأن الاميركيين عندهم الكثير الكثير من الديمقراطية والحرية التي يحميها دستورهم الاميركي وبأن اي انسان اميركي يمكنه ان يهاجم وبضراوة حكامه وبصوت عالي جدا لدرجة انك تشعر ان هذه الحرية هي اساس النظام الاميركي وهدفه الاخير.

كان 9/11 بأختصار هو اليوم الذي حاول الارهابيون ضرب النفوذ المالي والعسكري الهائل الاميركي مستغلين سهولة الاجراءات الامنية في المطارات الاميركية.

يا ريت هذا المخرج ولد في اي بقعة من العالم العربي ويا ريت هذا المخرج عاش تحت نظام صدام البعثي ويا ريت هذا المخرج شاهد ضرائبه تذهب الى جيوب حكامه . ويا ريت هذا المخرج حاول في اي شارع من دمشق او بيروت او الرياض او طهران ان يعترض بأقل عنفا على حكامه , لطحن طحنا ورميت بقايا جثته للكلاب الشاردة.ويا ريت هذا المخرج حاول ان يكتب مقالا صغيرا في صحيفة من صحف افغانستان ايام حكم طالبان يعترض فيها على تشويه حرية المرأة في افغانستان,ويا ريت هذا المخرج اعترض على عدم الذهاب الى دمشق لاستمزاج رايه في الانتخابات الرئاسية اللبنانية.

شكرا مخرج فهرنهايت لانك حاولت ان تجعل حرب اميركا ضد الارهاب اكثر انسانية.
شكرا مخرج فهرنهايت لأنك اظهرت حقائق للشعب الاميركي بأن الانتخابات الاميركية القادمة عليها ان تكون مبنية على اختيار الاشخاص الذين فعلا يكترثون لامن اميركا فنحن من منطق البراغماتي خاصتك نعرف بأن الامن للاميركيين عليه ان يمر في حرية شعوب كل الشرق الاوسط.
شكرا مخرج فهرنهايت لأن 9/11 في اميركا هوتذكير لنا بان 9/11 يحدث عندنا كل يوم والاقرب الينا فهرنهايت 9/24 اللبناني حيث النظام البعثي السوري سيضرب وبقوة مؤسساتنا ودستورنا اللبناني ويفرض عهرا رئيسا علينا.


يا ريتني اخرج فيلما بعنوان فهرنهايت 9/24 اللبناني , لتكون الشاشة السوداء ناصعة البياض , والطائرات عربية وسورية, والابراج دستورنا العالي, والقتلى الذين يرمون نفسهم هم المهاجرين اللبنانيين الذين يهربون من الجهنم اللبناني,والاوراق والغبار المتساقط هي جثث اللبنانيين المتفحمة في المقابر السورية والاسرائيلية, والنظرات والوجوه الحزينة هي وجوه امهاتنا واطفالنا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

عالم جديد من صنعك تماما

ان كنت من الذين يتابعون صفحتي ستجد الموضوع التالي شيقا، ارجو ذلك، كنت قد ذكرت لك، في مقالات سابقة ومرات كثيرة عن عالم النانوتكنولوج...